المجالس العرفية … قضاءاً موازياً لقضاء الدولة

كتبت: نانسي عبد الله :

تلعب المجالس العرفية دوراً كبيراً في الخبرة المصرية في التعامل مع الصراعات المجتمعية المختلفة. فالآليات العرفية ساهمت في انهاء العديد من الخصومات والمشكلات بين العائلات والقبائل عن طريق دفع الديه او التكفل بتعويض التلفيات، فتشكل المجالس العرفية قضاءاً موازياً لقضاء الدولة. المجالس العرفية يمكن ان تكون وسيله ناجحة في التعامل مع المشكلات والصراعات الميدانية مثل الصراع حول قطعه ارض او المشاجرات او قضايا الشرف او الصراعات المالية وهنا يكون اللجوء الي المجالس العرفية مهم. يعود انتشار ظاهره المجالس العرفية الي عده اسباب منها بطء الاجراءات الأمنية ، فيضطر سواء الجاني او المجني عليه الي عقد جلسات صلح ودفع الديه لأنهاء الخصومة بين كلا الطرفين، ففي المجالس العرفية لا مجال للطعن او رفض او تأجيل الحكم فهو واجب النفاذ دون تأخير.

وبسؤال (أحد المختصين بشئون القضاء) عن وجود قوانين تنص علي الصلح الودي والمجالس العرفية من عدمه قال: لا يوجد في القانون الجنائي ما يمكن معه حل النزاعات والقضايا بطريق المجالس العرفية فالقانون نص على جواز الصلح في بعض الجرائم دون البعض الاخر. هناك المادة رقم 64 من قانون المرافعات المدنية والتجارية التي تنص علي الصلح الا انها قصرت مجالس الصلح علي النزاعات التجارية والمدنية فقط ولم تشمل النزاعات الجنائية . واضاف ان هذه المجالس وليده العرف ليس الا ، اذ وجدت لنفسها سبيلاً حينما وُجِدَت حاجه الناس في حل مشكلاتهم وقضاياهم بعيدا عن بطء التقاضي ودرجاته.

وبالحديث مع احد المحكمين العرفيين او ما يطلق عليه في العرف (مُرضي) ويدعي محمد الاقرع بشأن المجالس العرفية ودورها في حل قضايا ومشكلات المجتمع باعتبار تلك المجالس قضاءاً موازيا لقضاء المحاكم افاد بانه احد المحكمين العرفيين بمحافظه البحيرة وذلك منذ فتره كبيره تتجاوز خمسه عشر سنه واضاف بانه قد قام بالتحكيم عرفيا في عده قضايا مختلفة ،هذه القضايا تتنوع ما بين قضايا القتل،السرقه،قضايا الشرف والاعتبار، والنصب والتعدي علي ممتلكات الغير واضاف بان تلك المجالس لها بالغ الأثر في حل النزاعات والخلافات بطريقه وديه وموجزه خاصه في صعيد مصر وريفها.

فعلي سبيل المثال حدث نزاع بين عائلتين من عائلات كفر الدوار بالبحيرة هذا النزاع يتلخص في خلاف على قطعه ارض زراعية فقد قام الطرف الاول ببيع قطعه ارض زراعية الطرف الثاني هذا الطرف توجد بينه وبين جيران هذه الارض خصومه ثأريه سابقه.

بسؤال أحد أطراف النزاع قال بأنه حدث نزاع بينه وبين الطرف الاخر ولكنه لم يقم برفع دعوي امام القضاء بشأن ذلك النزاع وانما فضل حلها وديا فكان النزاع على قطعه ارض زراعية مساحتها 2 قيراط وقام الحاضرون بحل النزاع بالحكم بأن يتم الرجوع في عمليه البيع ووافق كل الاطراف على الحكم وتم تنفيذه حقناً للدماء.

وبسؤال يوسف هيكل (احد المحكمين العرفيين) عن اكثر المشاكل العرفية التي اثرت فيه بحكم تنوع المشكلات والقضايا التي مرت عليه قال : بعيدا عن جرائم النفس والتجاوزات والتعديات المادية هناك ايضا تجاوز اخلاقي لا يقل اهميه عن جرائم النفس .وبسؤاله عن طبيعة هذه القضايا قال توجه اليّ احد الاباء كانت تحتبس دموعه في عينيه، يلتقط انفاسه بصعوبة وكانه مريض بالقلب يحتضر من شده الصدمة التي تعرض لها وهي باختصار قيام احد ابنائه وهو يبلغ من العمر خمسه وثلاثون عاما بالتعدي عليه بالسب والقذف حتي وصل به الامر انه اشهر السكين في وجه ابيه وهدده بالقتل وبسؤال الاب عن رد فعله حيال ما حدث له قال اردت ان احرر محضر بالواقعة الا انني لم استطع ان افعل بابني هذا خوفا عليه من السجن او الإهانة فلجأت الي احد المراضي (المحكمين العرفيين) بعد ان نصحني الجيران لكي يتم حل هذه المشكلة دون ان يتأذى ابني وفي نفس الوقت لكي يقوم بالرجوع عما فعله بي .رفض الابن الذهاب الي المحكم العرفي في البداية الا انه ذهب بمفرده بعد يومين من الواقعة بمحض ارادته .وبسؤال الابن عما فعله بابيه قال : "سيفعل بي اولادي كما فعلت بأبي" ونهض الولد وقال انه علي اتم استعداد لكي يعتذر ويقبل قدم ابيه امام الحضور وبالفعل بعدما جاء الاب نهض الولد وقام بتقبيل يد وراس والده ثم انحني مقبلاً قدم ابيه ولم ينهض حتي قال والده سامحته من قلبي .

ومن هنا تأتي ميزه المجالس العرفية فاذا تم تحرير محاضر في مثل هذه القضية كانت ستزيد الخصومة والفجوة بين الاب وابنه. ويجب علي الدوله ان تدعم هذه المجالس لما لها من دور في حل المشكلات وان توفر لها الحمايه اللازمه.

إضغط هنا للإستماع للموضوع.