سينمات التراث تحتضر
- alsawahlia magazine
- Apr 19, 2019
- 5 min read
Updated: Apr 30, 2019
كتبت : روچينا أيوب زكي:
تتميز منطقة محطة الرمل بمدينة الإسكندرية بالطابع التراثي القديم و خاصاً بالسينمات التي يرجع تاريخها إلي ما قبل عشرينيات القرن الماضي في عهد الملك فؤاد مما يمنحها رونق خاص وهي مازالت موجودة حتي الآن مثل : سينما ريو و فيريال و راديو ولكن تم هدم البعض منذ أكثر من ثلاثين عام وحتي ٢٠١١ مما يثير تساؤل الكثير منا مثل :سينما ريتس و الهمبرا و ريالتو، وفيما يلي نتعرف علي تاريخ السينمات القديمة وإلقاء الضوء علي ما تغير في جمهور دور العرض حالياً وأسباب هدم بعضها السينمات.

التراث هو ذاكرة الوطن وهويته .... تاريخ سينما الهمبرا
يقول عم أحمد مالك أحد المحال التجارية المجاورة لسينما الهمبرا ، يعد مسرح الهمبرا واحد من أقدم مسارح مصر الذي شيد في عام 1900 علي يد " إيلي لطفي" يوناني الجنسية.
وقد تم تحويلها إلى سينما في عام 1928 وعرض فيه أول فيلم ناطق أمريكى " ابنه بيتكوكولى" واستمرت العروض السينمائية بجانب المسرح الذى كان يقوم بعرض حفلات كوكب الشرق أم كلثوم، هدم نصفها والنصف الآخر أصبح محل لبيع الكتب.
كما أطلق البعض عليه أسم مسرح الحمراء أيضًا، نسبة إلى قصر الحمراء في أسبانيا وهو قول غير مؤكد وتوجد أقوال أخرى نسبة إلى أشهر مسارح لندن الأثرية " مسرح الهمبرا " والذي أنشيء في عام 1854م في بريطانيا.
فكان يأتي إلي مسرح الهمبرا مئات المبدعين بداية من جورج أبيض وعزيز عيد ونجيب الريحاني مرورًا بالست بديعة و اسماعيل يس.
وشهد ذلك المسرح حفلات لبعض الفنانين العمالقة مثل عبد الوهاب وفريد الأطرش وعبدالحليم حافظ ونجاة، ومحمد رشدى ومحمد العزبى ومحرم فؤاد حيث كانت تُعرض فيها حفلات أضواء المدينة .
ومن ضمن الذكريات التي لا تنسي وقد تناقلتها جميع الاجيال أنه في إحدى حفلات أم كلثوم ، احترق الميكروفون، ولكن أم كلثوم واصلت الغناء وكأنها تغني من فوق جبل عال في منطقة صحراوية رغم وجود أكثر من 30 الف مستمع ، جلسوا جميعا في صمت تام وسط ذهول الجميع ، فكان تواجدها في الإسكندرية يعني أن محطة الرمل والمنطقة المحيطة بالمسرح كاملة العدد، فلا مكان لقدم وكان النساء والرجال يأتون إلى الحفلات غاية في الأناقة، وكانت الصالة تفوح منها روائح باريسية . وكانت ايضا تصنف من سينمات الدرجة الثانية ، نظرا لانها غير مزودة بمكيفات هواء علي عكس سينمات الدرجة الاولي فكان يتم عرض الفيلم في إحدي سينمات الدرجة الأولي ثم بعد انتهاء مدة عرض الفيلم والتي قد تتمثل في مدة زمنية قد تصل إلي اشهر يتم عرض الفيلم في سينمات الدرجة الثانية.
ولكن لم تكلل سينما الهمبرا إحدى منارات الفن بالبقاء فقد هدمت منذ أكثر من ثلاثين عام وذلك لأنها بدأت في السقوط نظرًا لأنها شُيدت منذ زمن طويل وكما أعرب عم أحمد و جميع من في المنطقة المحيطة بالسينما ، عن حزنهم الشديد لهدم هذا الصرح العظيم ، فقد رفض البعض منهم المقابل المادي الذي تمنحه الشركة لتعويضهم ولم يغادروا أماكنهم أما البعض الاخر فقد قبل المقابل المادي وذهب ولكنهم أيضاً كانوا يشعرون باليأس لمغادرة المكان.

سينما الغلابة في ثوبها الجديد
سينما ريالتو والتي عُرفت ب "سينما الغلابة " ، يقول الأستاذ معوض حكيم المسؤول عن مكتب ستانلي للاستثمار و التطوير العقاري بمحطة الرمل ، أن الشركة تهدف إلي تطوير الاماكن القديمة بالاسكندرية ، ومن ضمن أعمالهم القائمة الأن أعادة بناء سينما ريالتو.
تم هدم سينما ريالتو في عام 2013 وذلك لظهور بعض التشققات في الجدران التي قد تؤدي إلي السقوط ، فقامت شركة "ستانلي" بهدمها ووضع خطة لإعادة بناءها مرة أخري ، و نظرا لأنها تابعة إلي البطريركية اليونانية فقد قمنا بالتنسيق مع الحكومة اليونانية لإعادة بناء السينما.
وصرح الاستاذ معوض حكيم عن الشكل الذي ستتخذه السينما فيما بعد ، أنها ستجمع بين الطراز القديم و الجديد ، فسيكون الشكل الخارجي له نفس الطابع القديم أما من الداخل فستصبح مجمع للسينمات والمطاعم ولكن سنعمل علي تطوير الخدمات الداخلية وتوفير أكبر قدر من الإمكانيات للجمهور المشاهد.
كما انهم سيعملوا علي جذب فئة خاصه من الجماهير وليس جميع فئات الشعب فستصبح اسعار تذاكر سينما ريالتو اغلي من اسعار تذاكر السينمات المتواجدة في محطة الرمل.

السينما ما بين عصر الأجداد والشباب
قال الأستاذ رمضان عبدالله ، المدير الحالي لسينما فيريال و المدير السابق لسينما ريو والهمبرا ، أصبح الان يوجد اختلاف بين طراز السينمات القديمة و الحديثة، فالسينمات القديمة تحتفظ بطابعها القديم و رونقها لحد الآن ، فتتكون من صالة عرض واحدة بها ما يقرب من ٩٠٠ مقعد و تكون الجدران من الموكيت و ارتفاع السقف يصل إلي ١٣ متر، ويتم عرض فيلم واحد لمدة محددة حتي وصول الفيلم الاخر، بينما السينمات الحديثة يتم تقسيمها إلي عدد من القاعات الصغيرة و تكون الجدران من الرخام أو الجرانيت و ارتفاع السقف لا يتعدي ثلاثة أو اربعة أمتار مما يمنع وصول الصوت من قاعة إلي أخري.
وباختلاف السينمات الآن اختلف جمهورالسينمات ايضاً، قديماً كان يسود الجو الأسري حيث كان رب المنزل يصطحب زوجته وأطفاله لمشاهدة إحدي الأفلام او الاستماع لأغنيات كوكب الشرق أما الآن في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة وغلاء الأسعار نادرًا ما نري أسرة في السينما باستثناء الأعياد وأصبح الشباب تحت سن ال ٢٥ هو جهمور السينما.
كما أضاف الأستاذ رمضان، أن قيمة السينما لم تعد كما كانت في الزمن القديم الجميل وذلك بسبب انتشار التكنولوجيا فأصبح الإنترنت وسيلة أساسية في مشاهدة الأفلام، ومنذ انتشار التليفزيون في المنازل و ظهور الكاميرات أصبح المشاهد يقوم بتصوير الفيلم داخل السينما رغم جهودنا لمحاولة منع التصوير تمامًا.
ومهما حدث أختلاف في الجمهور او في السينمات، يظل العائد المادي الذي يدخل إلي السينما كبير فذلك يرجع إلي تعدد القاعات في سينمات القطاع الخاص ، نظراً لانه يسمح بعرض أفلام عديدة في آن واحد وذلك نتيجة لاختلاف الذوق العام في اختيار الأفلام و تنوع الاعمار بين الاطفال و الشباب و الشيوخ.
وأكد الأستاذ رمضان، أن سعر التذكرة هو العامل الرئيسي المتحكم في اختيار المشاهد للسينما، ففي بعض الأحيان يتنازل المشاهد عن جودة الصوت والصورة وبعض الخدمات فيذهب إلى السينمات الحكومية نظرًا لأن سعرها مناسب لحالته الاقتصادية.

دور وزارة الثقافة في تقديم الدعم لنجدة التراث من الضياع..
تقول الأستاذة مني أحمد حافظ المسؤولة عن دور العرض في السينمات الحكومية، أن وزارة الثقافة لا تمنع عرض أي نوع من الأفلام و لكنها ترسل منشورات بها التصنيف العمري حيث تكون بعض الأفلام للكبار فقط أو تكون تحت الإشراف العائلي.
وبينما نعتقد نحن أن جميع السينمات الغير خاصة مملوكة إلي وزارة الثقافة.
أشارت الأستاذة مني، أن سينما راديو و فيريال مِلك الشركة المصرية أما سينما ستراند يتم تأجيرها من مؤسسها الأجنبي، فلا تعد جميع السينمات مملوكة إلي وزارة الثقافة.
وتتراوح أعداد المشاهدين في السينمات الحكومية مثل سينما ريو تصل إلي 150 مشاهد وفي سينما فريال قد يصل إلي 300 مشاهد و من الممكن ان تزيد في الأعياد الرسمية والعطلات الصيفية، فيكون الإقبال محدود لعدم استطاعة وزارة الثقافة تقديم دعم مادي مناسب لتطويرها.
علي عكس اعداد المشاهدين في السينمات الخاصة حيث يكون الإقبال بكثرة علي شباك التذاكر وأحيانا يتم غلق الشوارع من شدة التزاحم، لأن معظم الجمهور يتكون من الشباب الذين يفضلون قاعات العرض الصغيرة نظراً لتوافر الخدمات بها.
أضافت الأستاذة مني، لكي نقوم بتطوير السينما حتي نتمكن من تحصيل عائد مادي اكبر لن يتم ذلك قبل بداية شهر مارس 2019 نظراً لأن هذه السينمات تابعة إلي أشخاص اجانب ثم تم شرائها لمدة 20 عام من قبل مستثمرون في عام 1999.
قامت وزاره الثقافة بتأجير هذه السينمات وبحلول شهر مارس 2019 سيتم جعل السينمات حكومية غير تابعة لأي مستثمر، كما سيقوم الدكتور خالد عبد الجليل مستشار وزارة الثقافة، بإصدار قرار بمنع هدم السينمات دون إعادة بناءها و قرار بإعادة بناء السينمات مرة آخري وتوفير خدمات إضافية لامتاع المشاهدين، وذلك للحفاظ عليها لأنها تعد من التراث العريق.
اضافة أيضا أن سينما الهمبرة مرت بمراحل كثيرة فكانت في البداية مِلك أحد الأشخاص اليونانيين، ثم قامت الشركة المصرية بتأجيرها منه وكان من المفترض أن تنتهي مدة العقد في ٢٠١٤ و لكن في عام ٢٠٠٩ قاما كل من المستثمرين طارق إسماعيل و الدكتور جمال حبيب بالسفر إلي الخارج و قاموا بشراءها من صاحبها فأصبحت ملكيَتها لهم وأيضا سينما ريتس.
قالت الحل في أزمة السنيمات القديمة هي إعادة بناءها بشكل صحيح والصيانة المستمرة وتقسيمها إلي قاعات صغيرة وشراء مكن متطّور للتحكم في جودة الصوت و الصورة.
لوزارة الثقافة الدور الرئيسي في نجدة السينمات من الضياع و غلقها مما يقضي علي تراثنا وهويتنا ورائحة الزمن الجميل التي تبعث في نفوسنا الراحة والأمل وبدلا من الانتظار حتي هدم أو سقوط السينمات فيمكن القيام بعمل صيانات مستمرة لها وتطويرها بالتقنيات الحديثة مما يعود علي الدولة بفائدة كبيرة إلي جانب الحفاظ علي الفن والثقافة.
Kommentare